يظل السادس من أكتوبر عام 1973 علامة فارقة في تاريخ الأمة المصرية والعربية، حيث نجح الجيش المصري في كتابة صفحة مجد جديدة أعادت للأمة العربية كرامتها، وأثبتت للعالم أن مصر قادرة على صنع المستحيل عندما تتوحد الإرادة وتشتعل الروح الوطنية في قلوب أبنائها.
ففي هذا اليوم المجيد، انطلقت قواتنا المسلحة الباسلة لتخترق خط بارليف المنيع وتعبر قناة السويس في ملحمة بطولية أدهشت العالم، وقدم فيها الجندي المصري أروع صور الفداء والتضحية. لقد أثبت المقاتل المصري خلال معركة العبور أنه رمز للشجاعة والانتماء، وأن إيمانه بوطنه وعقيدته كان أقوى من كل أسلحة العدو.
كان نصر أكتوبر العظيم ترجمة حقيقية لمعاني الإصرار والعزيمة والتخطيط الدقيق، فقد اجتمع فيه العقل العسكري المحترف مع الإيمان الراسخ والروح القتالية العالية، ليصنعوا معًا نصراً لا يُنسى في ذاكرة التاريخ.
واليوم، وبعد أكثر من خمسة عقود على ذلك النصر العظيم، يستلهم الرئيس عبد الفتاح السيسي روح أكتوبر في معركة لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية، بل هي معركة وجود وبقاء. فكما واجهت مصر في الماضي عدواً على حدودها، واجهت في الحاضر عدواً في الداخل تمثّل في قوى الإرهاب والظلام. وبحكمة القائد وإرادة الأمة، نجح الرئيس السيسي في دحر الإرهاب واقتلاع جذوره، ليُعيد لمصر أمنها واستقرارها، ويُنقذها من براثن جماعة الإخوان التي أرادت أن تختطف الوطن.
لم تتوقف بطولات الرئيس السيسي عند حدود الوطن، بل امتدت إلى ميدان السياسة والدبلوماسية، حيث يخوض معارك لا تقل شراسة عن معارك السلاح، في مواجهة الضغوط والمساومات الإقليمية والدولية. فالرئيس السيسي يُدير معركة التفاوض مع إسرائيل وأمريكا وأثيوبيا بثبات الجندي وحنكة القائد، رافضاً أي إملاءات أو ضغوط تمسّ أمن مصر القومي أو كرامتها.
وفي قضية غزة، وقف الرئيس السيسي موقفاً وطنياً وعروبياً ثابتاً، رافضاً أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مؤكداً أن غزة لأهلها وفلسطين للفلسطينيين، لتفشل مصر بذلك أخطر المخططات الإسرائيلية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب أمنها القومي.
أما في ملف سد النهضة، فقد أثبتت القيادة المصرية بقيادة الرئيس السيسي أنها لا تعرف الاستسلام ولا تخضع للابتزاز، إذ تحولت الأزمة من تهديد إلى فرصة، حيث نجحت مصر في فرض رؤيتها واحترام حقوقها التاريخية في مياه النيل، وأرغمت العالم كله على احترام موقفها المتوازن القائم على التعاون دون تفريط.
بهذه المواقف الصلبة، وبقيادته الحكيمة، استطاع الرئيس السيسي أن يُعيد لمصر مكانتها وريادتها الإقليمية والدولية، حتى غدت القاهرة صوت العقل والحكمة في عالم مضطرب، وصاحبة القرار الحر الذي لا يُملى عليه من أحد. وليس أدل على ذلك من رفضه المتكرر لدعوات الرئيس الأمريكي للحضور، في وقت يسعى فيه قادة وزعماء عرب لنيل رضا واشنطن، لتُثبت مصر أنها لا تنحني إلا لله، ولا تتبع سوى مصلحتها الوطنية العليا.
إنها روح أكتوبر التي لا تموت، تلك الروح التي جعلت الجندي المصري بالأمس يعبر القناة، وجعلت القائد المصري اليوم يعبر بالأمة إلى برّ الأمان وسط أمواج التحديات. هي ملحمة متجددة من البطولة والعزة، عنوانها الدائم:
“مصر تحيا بقوتها… وتنتصر بقيادتها”.
سرّ لم يُكشف بعد .. كيف أعاد السيسي روح أكتوبر في زمن المؤامرات؟ من نصر الإرادة إلى معارك السياسة خلف الأبواب المغلقة ضد واشنطن وتل أبيب وأديس أبابا .. مصر التي لا تُهزم ولا تُدار بالإملاءات
بقلم عماد جبر