fbpx

أنا والكاونكوسي والتوحد .. رحلة أم وطفلها في علاج التوحد

18 يونيو 2020آخر تحديث :
كتبت ياسمين عبد السلام

“في 2017 اتشخص ابني أنس رسميا بسمات التوحد وفرط الحركة، بس القصة بدأت من قبلها بكتير، هتكلم عنها كل يوم في بوست الساعة 9 ونص الصبح ابتداءا من النهاردة ولحد يوم 21 نوفمبر، يوم عيد ميلاد أنس والساعة اللي اتولد فيها”، ففي بداية نوفمبر 2019، كتبت الأم الثلاثينية هذه الكلمات على صفحتها الشخصية على الفيسبوك هادفة من وراءه نقل تجربتها في رحلة علاج طفلها إلى جميع الأمهات اللاتي لسن لديهن الخبرة الكافية في التعامل مع أطفال التوحد، ايضا التكيف مع التغيرات التي تطرأ عليهن وعلى أولادهن باستمرار، وكيفية تكيفهن ايضا مع دوامة اللوم المحيطة بهن باستمرار والتغلب عليها.

على مدار واحد وعشرين يوما، سردت داليا يونس تجربتها مع ابنها أنس المشخص رسميا بسمات التوحد، والتي اكتشفتها هي وشعرت بها قبل ذهابها لاستشارة طبيب، فبحكم دراستها كطبيبة متخرجة في طب عين شمس، ودراستها للكثير من الأمراض والاضطرابات النفسية، واطلاعها المستمر على ما يخص الأطفال بحكم وضعها كأم، وقراءتها المستمرة وبحثها حول المهارات التي يكتسبها الأطفال في كل سن، جعلها تشعر بالاختلاف بين طفلها وغيره وبين من هم في نفس عمره من الأطفال، فبعدما أتم أنس عامه الأول وثمانية أشهر لم ينطق كلمة واحدة، وهو الغريب في الأمر، فمن المفترض أن يبدأ الطفل في النطق بالتدريج قبل هذه السن، فظنت داليا أن لدى أنس مشكلة في التخاطب، فاستمرت في البحث والقراءة والملاحظة المستمرة لتصرفاته وسلوكياته، ومن هنا شعرت بأن الأمر تتعدى خطورته مشكلة التخاطب فقط.

الالتفات لكل ما يدور في حركة دائرية

“الطبيعي أن الطفل بتنادي عليه من صغره عشان يعرف اسمه ويحفظه، وبالتالي بيلتفت ليك لما تنادي عليه حتى لو مش هيرد أو لسة مش عارف يتكلم، لكن أنس مهما كان حد ينادي عليه مابيردش ولا يبصلك حتى .. مكنتش الحيوانات بتلفت انتباهه زي باقي الأطفال سواء بشعور الخوف أو الحب أو حتى حب الاستطلاع .. كمان مهما اتجمع أطفال حواليه مكنش يلعب معاهم ولا حتى يستجيب لمحاولتهم معاه، وكله كوم واهتمامه بالحاجات اللي بتلف كوم تاني، مراوح أو كومبرسور تكييف أو غطا حلة أو ألعاب في النادي، لدرجة أن لو في أي حاجة ثابتة قدامه كان يخليها تلف ويتفرج عليها لمدة نص ساعة بانفصال تام عن العالم حواليه، ولو مالقاش حاجة يلف هو حوالين نفسه ومايسكتش غير لو حد وقفه أو داخ ووقع لوحده”، فكيف لداليا أن تشعر بأن طفلها على ما يرام وهي ترى كل هذا، تتحدث عنه وهي متذكرة لكل تلك اللحظات التي عاصرتها وشعرت بمعاناتها، فليس من الممكن أن يكون هذا طبيعيا.

الحقت داليا ابنها بإحدى الحضانات، فربما تعامله مع الأطفال واختلاطه بهم يطرد الهاجس الذي أصبح مسيطرا عليها ليل نهار، ولكن، “في يوم صحيت لقيته قاعد فوق الكوميدينو وبيقول حاجات مش قادرة افهمها بلحن وإيقاع غريب وبعدين بدأ يعد الحروف بالانجليزي بنفس الايقاع، عرفت بعدها ان ده نفس الايقاع اللي اتعلمه في الحاضنة، لكن المشكلة التوقيت، ابني بيقول كلام مش في توقيته ولا في سياق الحدث”، هكذا وصفت داليا اختلافا اخر في طفلها، فهو يحفظ الايقاع والألحان بسهولة شديدة، ولكن تجده في أوقات لا تطلب ذلك يبدأ بالتلفظ ببعض الكلمات والأحرف والأرقام دون أن يطلب منه ذلك، بالرغم من عدم استجابته في الكثير من الأوقات عند سؤاله عن الألوان والحروف والأرقام، لس لجهله بها، لكنه لا يستجيب.

بالبحث والملاحظة والإحساس

وهنا أدركت الأم أن هناك فرقا بين الكلام والنطق وبين التواصل، “إنك توصلي لمرحلة أنه ينطق ده إنجاز، وإنك توصليه إنه ينطق الكلام في محله ده إنجاز تاني، محتاج صبر ومحاولات وتجارب كتير”، هكذا قالت. بالبحث والملاحظة والإحساس أخذت داليا قرارها بضرورة الذهاب إلى طبيب واستشارته، أخصائية تخاطب في البداية، والتي أكدت لها شكوكها ونصحتها بضرورة العرض على طبيب نفسي، القرار الذي لم يشجعها أحد عليه في بداية الأم، بل وجدت اعتراضا ورفضا من الجميع، سواء والده أو الأهل من الطرفين، لكنها الأم الطبيبة الباحثة التي لم تفكر سوى في مصلحة طفلها، وهي المسؤولة بالكامل عنه.

بين اللوم والشعور بالذنب تحاصر الأم

“دوامة من اللوم والشعور بالذنب بتحاصر الأم وتبدأ كل الأطراف باتهامها أنها السبب في إصابة ابنها بأي مرض أو اضطرابات نفسية وعضوية، كلام سخيف بتسمعه أي أم على هيئة هزار لكنه بيسيب جوانا أثر كبير، في مرة كان معايا واحدة وأنا عند الدكتور النفسي الخاص بأنس  وبيسألني عن تاريخ المرض ده في العيلة وهل كان في حد مصاب بيه أو لا، رد الطرف اللي معايا بمنتهى السخرية وقال أصل داليا وأهلها انطوائيين شوية”، هكذا وصفت داليا ما تعيشه من معاناة وشعور بالذنب وإلقاء باللوم عليها من المحيطين بها بأن السبب في إصابة ابنها بالتوحد، نتيجة لعدم اختلاطه بالأطفال معظم الوقت ومشاهدته للكثير من الأفلام الكرتونية والألعاب الإلكترونية، ولا أحد يعلم صعوبة المواقف التي تمر بها هذه الأم ولا معاناتها اليومية محاولة الحصول على حقها في أن تحيا حياة طبيعية محققة هي كيانها الخاص وكاريرها الذي تحلم به.

“زيي زيك” جروب الواتساب لمساعدة أمهات أطفال التوحد

“مفيش علاج بيقضي على التوحد 100%، ولكن بيخفف أعراضه وبيخلي الإنسان يتعامل طبيعي بصورة أكبر مع اللي حواليه، وياريت اللي يقدر يأخر خطوة الأدوية لمريض التوحد على قد ما يقدر يعمل كدة، الأدوية لها أعراض جانبية كتير، لكنها مهمة بجانب العلاج النفسي والجلسات”، والآن يبلغ أنس حوالي 5 سنوات، رحلة علاج ما بين جلسات التخاطب وتعديل السلوك والأدوية، ساعدها بها بحث داليا الدائم واطلاعها المستمر، والحديث مع أمثالها من الأمهات لأطفال التوحد والتي التقت بهم ببعض جروبات الفيسبوك وجروب “زيي زيك” على الواتساب، لتحكي كل أم تجربتها وتفيد الأخرى بنصيحة عن طبيب ما أو علاج حديث أو طرق أنسب للتعامل مع الأطفال.

التكرار وتوحيد الهدف خطة العلاج

الترابط والتواصل المستمر بين جميع الأطراف المعالجة لمريض التوحد من أهم النقاط، وتعريف الطفل بكيفية التعبير عن احتياجاته وما يشعر به، فلابد من تكرار بعض الجمل أمامه وتمثيلها بالفعل كي يتعود، “أنا والمدرسة والطبيب المختص كنا بنعود أنس ازاي يقول عايز أشرب وآل وأدخل الحمام، وامتى يقول كدة، وبنفذ ده بطريقة الـ Role play، يعني في البيت الأم تقول للأب عايزة أكل فيديها حاجة تاكلها قدام الطفل، وهكذا”، أساليب علاج استمرت شهور كي يستطيع أنس التعبير عن احتياجاته، ولكن هل استطاع التعبير عن مشاعره ايضا؟ .. “أنس لما حد بيأذيه مابيقولش ومابنعرفش غير صدفة لأنه مابيشعرش بالخطر أو الخوف، ودي مشكلة كبيرة، ممكن طفل يضربه أو يتنمر عليه أو حيوان يرعبه لكن هو مابيستجبش، وده اللي بنشتغل عليه الفترة دي، ضرورة التأكد من عامل الأمان، وده من خلال تركيب كاميرات مراقبة في مكان بيتواجد فيه الطفل باستمرار أو مراقبة الأم بنفسها ليه دون ملاحظته”، وهي معاناة أخرى تحدثت عنها داليا يونس.

“من أكتر الفيديوهات المؤلمة اللي شوفتها كان فيديو لأم لطفل عنده 8 سنين كسرلها مناخيرها في واحدة من نوابات الغضب اللي جاتله، مقدرتش ماعيطش لما الأم اتسألت عن شعورها وقتها، وقالت إنها بشكل ما ممتنة إن مناخيرها هي اللي اتكسرت مش هو”، هو واحد من الفيديوهات التي تتابعها داليا للتعرف على كيفية التأقلم مع نوبات الغضب التي تصب أطفال التوحد والتي في كثير من الأحيان لا يمكن السيطرة عليها أو فهمها واحتوائها من كافة الأطراف المحيطة، وبتلك الكلمات عبرت إحدى الأمهات في نبرة امتلأت بالحزن ومحاولة التغلب على الانهيار عن سعادتها من أن ابنها لم تحدث له انتكاسة حتى وان كان المقابل كسر أنفها.

Shadow Teacher

“زي ما في ناس اتريقت عليا ولاموني، في ناس كتير ساندوني ووقفوا جمبي، والأهم ازاي تختاري الناس الصح اللي تساعدك في علاج ابنك، وازاي تختاري Shadow teacher مناسبة ترافق ابنك باستمرار في مدرسته، ودي بتكون زي ظل الطفل مرافقة ليه باستمرار، مش شرط يكون حد سنه كبير أو معاه شهادات مهمة وعالية، ممكن تكون واحدة صاحبتك أو قريبتك ولكن قادرة تتعامل مع ابنك وتستوعب مشاكله الحقيقة وتقدر يسيطر على تصرفاته، بتحب الطفل فعلا من قلبها وبتخاف عليه، انا ربنا كرمني برابحة مربية أنس”، تحدثت داليا يونس عن رابحة مربية ابنها والتي تقضي معظم الوقت معه وتفهمت كيفية التعامل السوي معه واحتوائه في الكثير من المواقف ونوبات الغضب والصراخ الشديد، كما أحبها أنس ايضا واعتاد وجودها معه.

“آخر كلام هي نصيحة مني لكل أمهات الأطفال القادرين باختلاف زي ما بنسميهم، هو أنها لازم تهتم بنفسها وبهواياتها ويكون لها وقتها الخاص بها، يوم في الأسبوع على الأقل تبعد فيه عن أي مصدر توتر أو قلق، تبعد عن كل الأطراف السلبية في حياتها،تبعد عن ابنها أو بنتها المرضى كمان عشان تقدر تفصل وترجع تاني تكمل طريقها ورحلتها معاهم، تسافر لوحدها ومع أصدقائها، تشتغل وتمارس هوايات كتير”، هكذا نصحت داليا يونس الأمهات أمثالها، مؤكدة على ضرورة الاهتمام بهؤلاء الأمهات ومراعاتهم.