تحقيق صحفي يكشف فسادًا صامتًا في محليات الجيزة: رسوم ورخص وإعلانات خارج القانون رغم جهود المحافظ ونائبه لمواجهة المخالفات.
في الوقت الذي تُبذل فيه جهود ملموسة من قِبَل محافظ الجيزة المهندس عادل النجار، ونائبه النشط إبراهيم الشهابي، للارتقاء بالأداء الخدمي ومواجهة بؤر الفساد داخل الإدارات المحلية، إلا أن بعض التجاوزات لا تزال تشق طريقها في الظل، مستغلة هشاشة الرقابة الإدارية وتداخل الاختصاصات. وقد أشاد المواطنون في أكثر من مناسبة بتحركات القيادات التنفيذية في المحافظة لضبط الأداء والتصدي للمخالفين، سواء عبر الجولات المفاجئة أو القرارات الصارمة التي تستهدف تقويم المنظومة الإدارية.
ومع ذلك، يكشف هذا التحقيق عن مظاهر لفساد صامت وممنهج داخل عدد من الإدارات المحلية، تمارَس أحيانًا بمعزل عن علم القيادات العليا، وتُثقل كاهل المواطن برسوم غير قانونية، وتأخير مقصود، وتسهيلات مشروطة. وهو ما يفرض ضرورة مواصلة جهود التطهير والمتابعة الدقيقة من داخل المحافظة ومن الجهات الرقابية المعنية.
إدارة الإعلانات
تشهد شوارع الجيزة تزايدًا في الإعلانات غير المرخصة واللوحات الدعائية العشوائية. وأكد عدد من أصحاب المحلات التجارية أن جهات محلية تتقاضى مبالغ مالية لقاء السماح بتركيب لافتات وإعلانات مخالفة، أو تسريع الموافقة على تراخيص إعلانية. فقد روت مصادر محلية كيف تم التواطؤ مع إحدى شركات الدعاية لنصب مئات اللوحات في أكثر من حي دون مناقصة أو موافقة قانونية واضحة. ويُستغل قسم الدعاية والإعلان في الأحياء لتنظيم “عمولات” غير رسمية، إذ يحصل بعض الموظفين على نسبة من رسوم الترخيص مقابل تسريع إجراءات التجديد أو إعفاء أصحاب الأعمال من الغرامات المترتبة على التأخير.
رخص المحلات
تشهد تراخيص المحال التجارية في الجيزة بدورها تجاوزات مريبة. يتحدث عدد من أصحاب المحلات عن ضغوط لإتمام الإجراءات الإدارية مقابل رشاوى صامتة. تصل تكلفة هذه التسهيلات في بعض الأحيان إلى مبالغ تفوق الرسوم القانونية بكثير. ورغم أن معظم المحلات تسعى لتسديد الضرائب المستحقة بشكل قانوني، إلا أن عناصر في الأجهزة الرقابية المحلية تغض النظر مقابل مصالح شخصية. في حالات عدة، اشتكى أصحاب المحلات من تأخير إصدار التراخيص دون مبرر واضح، مما يدفع بعضهم للجوء إلى “تسويات” للحصول على الترخيص الفوري أو تجنب الغرامات. وفي النهاية، تُعدّ هذه الممارسات البيروقراطية عائقًا أمام نمو القطاع التجاري المحلي، خصوصًا بالنسبة للمتاجر الصغيرة التي تعتمد على سرعة إصدار التراخيص.
رخص البناء
تشهد مناطق الجيزة توسعًا عمرانيًا كبيرًا، إلا أن عمليات منح تراخيص البناء أصبحت هدفًا للانتقاد. كشف تحقيق صحفي وأوراق رسمية أن بعض مهندسي المدن والعاملين في مكاتب التخطيط العمراني يساهمون في تسهيل مشاريع بناء غير مطابقة للمواصفات مقابل عمولات مالية غير مشروعة. وأوضح مهندس يعمل في إحدى دوائر التخطيط العمراني (طلب عدم الكشف عن اسمه) أن “التساهلات في المعايير أصبحت منتشرة، ويُستغل الأمر بحوافز مالية يحصل عليها المخالفون مقابل تقديم رشاوى”. وفي حالات أخرى، يتم تسليم التراخيص إلى ملاك الأراضي دون مراجعة دقيقة للمخططات، ما يؤدي إلى بناء يشوبه قصور فني ولا يتوافق مع معايير التنمية العمرانية.
المواصلات (السرفيس والمواقف)
لم تخلُ قطاعات النقل الجماعي (السرفيس) في الجيزة من مظاهر الفساد الإداري. فقد أكدت مصادر من سائقي سيارات النقل الجماعي (السرفيس) وأصحاب شركات المواقف أن تراخيص السرفيس وخدمات النقل الداخلي تتعرض لممارسات غير قانونية. بالإضافة إلى ذلك، اشتكى السائقون من فرض مبالغ مالية إضافية لقاء السماح باستمرار عمل السرفيس في الخطوط المعتمدة أو إصدار تراخيص جديدة. وفق شكوى أُدلي بها سائقون، فإنهم مضطرون إلى دفع “اشتراكات إدارية” بعيدًا عن الحسابات الرسمية، وإلا تتعرض سياراتهم للإيقاف المفاجئ. وبرزت أيضًا شبهات حول تأجير بعض مسؤولي المرور أو إدارة المواقف لأرصفة الانتظار الرسمية لمقربين منهم مقابل مبالغ مالية، ما يخلق سوقًا سوداء يتحمل عبؤها السائقون.
غياب الرقابة والشفافية
ينبع التردي الإداري في محليات الجيزة جزئيًا من غياب آليات رقابية فعّالة. فغياب المجالس المحلية وتراجع دور مؤسسات المجتمع المدني في المتابعة يترك بعض المسؤولين يمارسون صلاحياتهم دون رقيب. وفي ظل ثغرات إجرائية، تُؤجل عمليات التدقيق على ملفات التراخيص والإعلانات غالبًا حتى تهدأ الاحتجاجات الشعبية. كما يُشير خبراء إلى أن ضعف القوانين وغموض الإجراءات يتيحان للمتجاوزين الإفلات من المساءلة. كل ذلك يؤكد أن الفساد في محليات الجيزة يستند إلى بنية إدارية مهترئة تفتقر إلى الشفافية والضوابط الصارمة.
الختام ودعوة للمساءلة
في ضوء ما كشفه التحقيق أعلاه، تبدو محافظة الجيزة أمام فخاخ فساد عميقة التغلغل في تفاصيل الحياة المحلية. وتصدر مطالب متزايدة من ناشطين وأعضاء مجلس النواب لإعادة فتح التحقيقات ومراجعة التراخيص الصادرة حديثًا مع تطبيق القانون بدقة.
نطالب بإجراء تحقيق مستقل وكامل في تجاوزات منح التراخيص والأذونات في محليات الجيزة، يشمل كافة المستويات الإدارية.
نؤكد ضرورة تعزيز دور الرقابة التشريعية والمدنية لضمان شفافية إجراءات الترخيص والإعلانات، ومحاسبة كل من يثبت تورطه بأي مخالفة.
ندعو الحكومة والمحافظة إلى مواجهة الفساد الصامت، من خلال تفعيل القوانين والقضاء على المحاباة وحماية الشهود والمبلغين.
يجب أن يدرك كل مسؤول أن غضّ الطرف عن هذه التجاوزات يساهم في خفض ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة، وأن المساءلة مصير حتمي لا مفر منه.
فساد صامت في محليات الجيزة: رسوم ورخص وإعلانات خارج القانون!
كتب: عماد جبر