fbpx

الدكتورة نادية حلمى… تحلل : ” تأثير إنشاء الصين مركز الدراسات الصينية لفكر “شى جين بينغ” بشأن الدبلوماسية على التحول الجديد فى الخطاب السياسى الصينى تجاه مراجعة علاقة واشنطن بالشرق الأوسط وإسرائيل

16 يونيو 2021آخر تحديث :

محتويات المقال

الدكتورة نادية حلمى... تحلل : " تأثير إنشاء الصين مركز الدراسات الصينية لفكر "شى جين بينغ" بشأن الدبلوماسية على التحول الجديد فى الخطاب السياسى الصينى تجاه مراجعة علاقة واشنطن بالشرق الأوسط وإسرائيل

تحليل: الدكتورة نادية حلمى الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
– العناصر الرئيسية فى التحليل المستقبلى للباحثة المصرية، هى:
– أولاً: الدور القيادى الموحد للحزب الشيوعى الصينى فى التخطيط الجديد للشؤون الخارجية الصينية تجاه علاقة واشنطن بالشرق الأوسط وإسرائيل 
– ثانياً: الدور المستقبلى “لمركز الدراسات الصينية لفكر الرئيس شى جين بينغ” فى نشر الفكر السياسى الصينى وقواعد (العولمة والحوكمة العالمية) للصين فى الشرق الأوسط والعالم 
– ثالثاً: التناقض بين نظريات الهيمنة الأمريكية والنظريات المطروحة من “مركز الدراسات الصينية لفكر شى جين بينغ” تجاه الشرق الأوسط والداخل الصينى 
– رابعاً: إستشراف مستقبلى للباحثة المصرية لنتائج إفتتاح مركز دراسات فكر الرئيس الصينى “شى جين بينغ” نظرياً وتطبيقياً
جاء إفتتاح “مركز الدراسات الصينية لفكر شى جين بينغ” بشأن الدبلوماسية” فى ٢٠ يوليو ٢٠١٩، كى يوفر إتجاهاً جديداً لمسار ومنحى الدبلوماسية الصينية فى العصر الجديد ويوفر لها مرجعية أساسية. ويعد هذا المركز الفكرى والبحثى الصينى الجديد، بمثابة تطور مختلف فى مسيرة الصين الجديدة لتكوين والتعرف على منظومة نظريات دبلوماسية تتشكل منها الدبلوماسية الصينية فى رؤيتها لسياساتها وللعالم، وتتسم هذه المنظومة الفكرية الصينية بطابع علمى وعصرى وتقدمى وعملى، ويجب علينا – كخبراء معنيين بالشئون الصينية حول العالم – أن ندرسها ونفهمها بشكل معمق وشامل من أجل فهم طبيعة التطور المستقبلى للسياسة الصينية دولياً وإقليمياً.
وكخبرة شخصية لى، وبحكم قربى أيضاً من مراكز الفكر الصينية والأمريكية، وإطلاعى يومياً على معظم الدراسات والكتابات العالمية حول الشأنين الأمريكى والصينى، بما فيهم النواحى العسكرية، إتضح لى عدم الفهم لماهية المدرسة الصينية فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وهو ما دفعنى فى وقت سابق لعمل دراسة متكاملة حول (المدرسة الصينية فى العلوم السياسية)، مع تقديمى إقتراح أرى من وجهة نظرى أنه جدير بالدراسة، ألا وهو إدماج ودراسة النظريات السياسية الصينية فى مناهج وأقسام العلوم السياسية والعلاقات الدولية فى الجامعات المصرية والعربية.
فكخبرة شخصية لى كأستاذ فى مجال العلوم السياسية، وخبيرة معروفة فى الشأن السياسى الصينى، أشعر فعلياً بفجوة معرفية وأكاديمية هائلة لدى باحثينا وأكاديمينا، ومحدودية إطلاعهم على الدراسات والمناهج والنظريات السياسية الصينية، وعدم إلمامهم أو فهمهم لهم، لصالح التوجه العام السائد فى جامعاتنا لدراسة المناهج والنظريات الأمريكية للهيمنة والقوة والنفوذ وغيرها، الأمر الذى صار معه أكاديميونا موجهون نحو الرؤية الغربية والأمريكية فى العلوم السياسية، وبالتالى، إمكانية السيطرة والتأثير عليهم فى المستقبل، وتبنيهم الوجهة الأمريكية والغربية فى تناول أى تحليل مستقبلى أو سياسى، مما عمق الفجوة المعرفية والتحليلية بشأن المدارس والمناهج والنظريات المطروحة من وجهة نظر صينية، كدولة من أكبر وأهم دول العالم، وأكثرها تأثيراً.
لذلك، جاء إفتتاح (مركز الدراسات الصينية لفكر الرئيس “شى”)، بمثابة فرصة سانحة لى لتقديم هذا المركز الفكرى والبحثى الصينى الجديد والهام إلى دول المنطقة والعالم، والذى لم تتطرق إليه التحليلات العربية أو الغربية والأمريكية عموماً بالدراسة والتحليل المستقبلى من قبل، نظراً لزيادة فجوة جهلهم وعدم الإلمام الكافى بالشئون السياسية الصينية وعلاقاتها بالعالم.
وتأتى أهم محاور الدبلوماسية الصينية فى فكر الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” كما فهمتها الباحثة من خلال قراءتى المعمقة وتحليلى المستقبلى لأفكار هذا المركز البحثى لفكر الرفيق “شى” وقيادات اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الحاكم، سواء تجاه واشنطن أو الشرق الأوسط وحتى إسرائيل، على عدة محاور، أبرزها:
– أولاً: الدور القيادى الموحد للحزب الشيوعى الصينى فى التخطيط الجديد للشؤون الخارجية الصينية تجاه علاقة واشنطن بالشرق الأوسط وإسرائيل
تبرز أهم نقطة جديرة بالإشارة عند الباحثة المصرية هنا، والذى يعكس فكر “شى جين بينغ” وقيادات الحزب الشيوعى الصينى تجاه مسار الدبلوماسية الصينية فى الشرق الأوسط وإسرائيل ومراجعة علاقة السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، هو ما ذكره وحلله “وو سى كه”، المبعوث الصينى السابق تجاه الشرق الأوسط، وحديثه الصريح فى الإعلام الصينى فى ٢ مايو ٢٠١٨، حول: (الرؤية الصينية لنظرية الهيمنة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط)
فكما أكد “وو سى كه”، بأننا ما زلنا نذكر، عند مناقشة (تقرير إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس كعاصمة لإسرائيل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة)، فقد هددت (المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة)، بأنها “سوف تسجل حالة التصويت فى أوراقها، وسوف تقلل الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات الإقتصادية للدول التى تعارض الخطوة الأمريكية”، وهنا يتبين للجميع ومن (وجهة نظر صينية) تتفق معها دول المنطقة والشرق الأوسط، بأن:
“المساعدات الإقتصادية الأمريكية أصبحت وسيلة سياسية أمريكية تجاه دول المنطقة لتمرير السياسات الأمريكية للهيمنة”.
والنقطة الأخرى الجديرة بالإشارة هنا، هو مدى نجاح الصين أيضاً فى جذب الغرب وأعداد متزايدة من الأكاديميين ورجال الأعمال الأمريكان أنفسهم إلى تنامى ظاهرة (الجاذبية الصينية). فقد أصبح رجال الأعمال فى أوروبا وأمريكا، وغيرهم من أباطرة الإعلام، والعاملون فى قطاعات التكنولوجيا والبنوك يندفعون جميعاً إلى الصين.
– ويبقى السؤال الأهم فى التحليل لدى الباحثة المصرية، هو:
كيف أستطاع كل هؤلاء المستثمرين والعاملين الأجانب والأمريكان فى الصين أن يعتبروا الصين بمثابة مكان أفضل لهم، رغم خلو الصين من (النقابات التجارية والعمالية المستقلة أو أى شكل من أشكال الإحتجاجات المنظمة)، التى قد تؤدى إلى تدنى الأرباح فى حال السماح لها بالعمل فى الصين وفقاً للرؤية الصينية، لتوسيع أعمالهم، وبناء الملاعب الرياضية الضخمة وناطحات السحاب، أو بيع تكنولوجيا المعلومات والشبكات الإعلامية؟
وفى نفس الوقت، فقد تحولت المخاوف بشأن حقوق الإنسان أو الحقوق المدنية فى الصين إلى موضوع غير ذى شأن لدى العاملين والمستثمرين والأكاديميين الغرب والأمريكان من المقيمين داخل الصين نفسها، وتفهم الجميع بأنها تعبير عن (الإمبريالية والرغبة فى الهيمنة الغربية والأمريكية المتنافسة تجاه الصين).
وهنا لابد من التوضيح، بأن شكل العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ما هى إلا (علاقة تنافس وليس حياة أو موت)، ومن هنا، فيمكن للطرفين تحقيق التعايش المشترك وفق المصالح المتبادلة بين القوتين العظمتين.
ويبقى عندى ضرورة فهم أهم كتاب أطلعت عليه بعناية شديدة، والذى أصدرته الصين فى الفترة الأخيرة، وتحديداً فى ٢٣ أغسطس ٢٠١٩، والذى يعكس من وجهة نظرى (تحولاً عميقاً فى الفكر النخبوى الصينى تجاه علاقاتهم بالنخب السياسية والفكرية والأكاديمية الأمريكية والغربية نفسها)، هو كتاب (أخطأنا الحكم على الصين: إعادة البناء المعرفى للنخبة السياسية فى الغرب تجاه الصين)، والذى أصدرته (دار نشر هواون) فى العاصمة بكين. فقد أقيمت مراسم إحتفالية لإصدار نسخة الكتاب الأول (أخطأنا الحكم على الصين)، وذلك على هامش فعاليات (الدورة السادسة والعشرين) لمعرض بكين الدولى للكتاب، وسط حفاوة دولية وصينية بالغة بإصدار الكتاب، وفق ما أكده حينها وكرره السيد/ سونغ تشى جيون، وهو مدير دار هواون للنشر، والتى قامت بطباعة وإصدار الكتاب، وعمل إحتفالية كبيرة له دعائياً سواء داخل الصين أو خارجها، وتولت دار نشر “هواون” بنفسها الإشراف على عملية ترجمة هذا الكتاب لعدة لغات، أهمها الإنجليزية، حتى يتسنى إطلاع العالم عليه، ولاسيما صناع القرار السياسى فى واشنطن أنفسهم وأوروبا والغرب، ومراكزهم البحثية والفكرية ذات الصلة بالشؤون والسياسات الصينية.
فلقد سعى الكتاب إلى إطلاع الجميع على (الوجه الحقيقى للصين من وجهة نظر أمريكية وغربية محايدة غير مسيسة)، بعيداً عن دوائر صنع القرار فى واشنطن والغرب.
فكان أفضل ما جذبنى لهذا الكتاب، هو ما تضمنه فعلياً من مقابلات صحفية أجراها عدد من الصحفيين فى صحيفة (هوانتشيو) الصينية أو ما تعرف بالإنجليزية، بإسم صحيفة “جلوبال تايمز”، والتابعة لصحيفة “الشعب اليومية الصينية”. حيث تضمن الكتاب المشار إليه عدداً كبيراً من المقابلات مع كثير من (ساسة وعلماء الغرب والأمريكان المشهورين ومراكز البحوث والفكر المعنية بالصين، فضلاً عن تحليل بعض المقالات النظرية والنقدية لهم حول علاقة الصين بالعالم)، ويأتى أبرز تلك النخب التى تواصل معها الكتاب الصينى، ووثقها بالتفاصيل، هى عمل مقابلات ولقاءات فعلية مع:
١) وزير الخارجية الأمريكى الأسبق “هنرى كيسنغر”
٢) البروفيسور الأمريكى المعروف “جوزيف ناى” الأستاذ بجامعة هارفارد، وصاحب نظرية “القوة الناعمة” المعروفة دولياً
٣) الكاتب الأمريكى “جون نايسبيت”، والمتخصص فى مجال الدراسات المستقبلية 
٤) العالم والفيلسوف والإقتصادى السياسى الأمريكى من أصل يابانى “فرانسيس فوكوياما”، صاحب نظرية “نهاية التاريخ”
٥) الرئيس الأمريكى الأسبق “جيمى كارتر”
٦) المفكر الإستراتيجى ومستشار الأمن القومى للرئيس الأمريكى الأسبق “كارتر”، وهو البروفيسور “زبغنيو بريجينسكى”، وهو صاحب ومؤلف كتاب دولى هام عن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة حول العالم.
ومن وجهة نظرى الشخصية، وبصفتى من أبرز الباحثين والأكاديميين المعجبين والمطلعين على كتابات البروفيسور الأمريكى (زبغنيو بريجينسكى)، ومدرسته الرائدة فى الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، والمعروفة بإسم (مدرسة أو نظرية الواقعية السياسية)، فأنا أعتبر أن أهم مقال كتبه (بريجينسكى) عام ٢٠١٦، وذلك قبل وفاته بعام واحد، هو مقال بعنوان:
Toward a Global Realignment ) 
والذى كان بمثابة (الوصية الأخيرة للمفكر “بريجينسكى” قبيل وفاته)، إذ أكد فيها صراحةً، بأن:
“الهيمنة الأمريكية باتت فى أيامها الأخيرة، وأن السياسة الأمريكية يجب أن تتجه لخلق تحالفات جديدة حتى مع تلك القوى التى كانت تعد منافساً ومتحدياً تاريخياً للهيمنة والقوة الأمريكية، وأبرزها: (الصين وروسيا). مع تأكيده فى مقاله المشار إليه، بأن الهدف الذى يجب أن تركز عليه واشنطن فى سياساتها المستقبلية، هو:
“خلق نوع من إعادة التنظيم والتموضع ( Global Realignment) كقوة عالمية فاعلة بعيداً عن شن الحروب والهيمنة”
وبالإضافة للقاءات السابقة التى إحتواها الكتاب الصينى مع أبرز الشخصيات الأمريكية المعروفة عالمياً وذات تأثير دولى كبير، فقد شملت مقابلات الكتاب الصينى أيضاً وإمتدت إلى أكثر من ٤١ شخصية أخرى من النخب السياسية والأكاديمية الأمريكية والغربية البعيدة عن دوائر ومراكز صنع القرار السياسى، لفهم طريقة تفكير تلك (النخب غير المسيسة).
مع العلم ووفق رؤيتى وإطلاعى على أبرز مقابلات هذا الكتاب الصينى، فإن تلك النخب الأمريكية والغربية والتى وقع عليها الإختيار فى هذا الكتاب سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب، لديهم علاقة فعلية قوية مع الصين، وقاموا فعلياً بالبحث العميق ولفترات طويلة حول الصين، ويتمتعون بقوة تأثير أمريكية ودولية هامة، كما أنهم قدموا إنتقادات لاذعة من قبل تجاه الصين وسياساتها، كما أنهم وهو الأهم بالنسبة لى، قد إتسموا بالشجاعة فى هذا الكتاب التوثيقى الهام، لإعترافهم بحقيقة النهضة الصينية وإعترافهم بأخطائهم السابقة تجاه فهمم للصين نتيجة توجيههم وتأثرهم سياسياً بدوائر صنع القرار.
فهذا الكتاب الصينى، قد نجح فى أن يعكس (الخطأ النخبوى الأمريكى والغربى تجاه الصين)، وطرح الكتاب من خلال تلك النخب الأمريكية والغربية، ما يثبت فعلياً وتوثيقياً وبحثياً مفاهيمهم الأكثر حداثة تجاه “معرفتهم الخاطئة السابقة عن طبيعة الصين ونظامها وسياساتها”، كما يعكس هذا الكتاب، بمثابة (ثورة فكرية ومعرفية) تجاه ضرورة (إعادة البناء المعرفى والحكم الغربى والأمريكى الليبرالى تجاه الثقافة الصينية وسياساتها الداخلية والخارجية وحقيقتها وإتجاهاتها).
– ثانياً: الدور المستقبلى “لمركز الدراسات الصينية لفكر شى جين بينغ” فى نشر الفكر السياسى الصينى وقواعد (العولمة والحوكمة العالمية) فى الشرق الأوسط والعالم
لقد نجح مركز الدراسات الصينية لفكر الرئيس (شى) فى وضع ملامح عامة يمكنه من خلالها طرح وجهة نظر الصين تجاه كافة القضايا والمسائل الخلافية، ويعاونه فى ذلك عدد من (النخب القيادية الأكاديمية الصينية، وأبرز مراكز الفكر الصينية)، والتى تأتى غالبيتها من أوساط معينة، مثل:
١) مجلس إدارة الجمعية الوطنية الصينية للدراسات الدولية
٢) معهد الشعب الصينى للشؤون الخارجية
٣) الرابطة الوطنية للصداقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية
٤) الرابطة الوطنية للدراسات الأمريكية
٥) رابطة شنغهاى للعلاقات الدولية
٦) معهد شنغهاى للدراسات الإستراتيجية الدولية
٧) رابطة شنغهاى لدراسات تايوان
٨) مركز دراسات غرب آسيا وشمال أفريقيا، والذى يركز بحثه على سياسة الصين تجاه دول القارة الأفريقية، ودراسات شمال شرق آسيا، ونظرية العلاقات الدولية الخاصة بعلاقات الصين بأفريقيا والشرق الأوسط والعالم العربى
٩) مركز الدراسات الأوروبية
١٠) معهد الدراسات الإقتصادية العالمية، والمتخصص فى دراسة الإدارة الإقتصادية العالمية، وخصوصاً (المساعدات الإنمائية الرسمية، دراسات التكامل الإقليمى فى الإتحاد الأوروبى)
١١) مركز دراسات آسيا والمحيط الهادئ، والذى تتركز إهتماماته البحثية أساساً على (الإقتصاد الهندى، والسياسات الخارجية الهندية)، وهذا المركز البحثى يتبع (أكاديمية الصين للعلوم الإجتماعية)، كأهم أكاديمية بحثية وفكرية فى الصين ومصنفة عالمياً فى مركز متقدم، والأكثر قرباً من صناع القرار فى الصين
هذا، بالإضافة إلى العديد من مراكز الفكر الصينية، والتى تغطى مساحات كبيرة وشاسعة حول العالم وفى داخل الصين نفسها لقياس مستويات (رضاء المواطنين عن عمل الحكومة والوحدات القاعدية للحزب الشيوعى الصينى فى كافة المقاطعات والمدن الصينية).
وتمثلت ملامح قيادة الحزب الشيوعى الصينى للعمل الدبلوماسى، وفقاً لفكر الرئيس الصينى الرفيق (شى جين بينغ)، فى خلق حالة من التوازن بين دور القيادة السياسية الصينية وأدوار الممارسين المحترفين، ومحاولة إيجاد مقاربة بين المصالح الصينية ومتطلبات المجتمع الدولى، أو “الأسرة الإنسانية والدولية وفقاً لمبدأ المصير المشترك للبشرية والإنسانية جمعاء”، وذلك من خلال إعطاء الإعتبارات اللازمة للأوضاع المحلية والعالمية الحق فى تقرير مصير المصالح المشتركة للجميع مع إحترام سيادة الدول.
 
ولعل تلك هى أبرز نقطة إستشعرها مركز الدراسات الصينية لفكر الرئيس (شى جين بينغ) وقيادات الحزب الشيوعى الحاكم مبكراً، من خلال بحثهم العلاقة بين:
 
أ) الإستراتيجية الكلية للصين والتطورات الدبلوماسية الداخلية والخارجية
 
ب) تحقيق المواءمة الدقيقة بين ما تعنيه الضوابط النظرية “الأيديولوجية” للحزب الشيوعى، وما تحتمه ضرورات الممارسة العملية للعلاقات الخارجية فى الساحة الصينية العالمية)
 
ج) تبنى سياسة خارجية صينية تدعو للسلام وتهيئة البيئة المناسبة لبناء (العصرنة)، كأول مهمة ينجزها الحزب الشيوعى فى العلاقات الصينية الخارجية
 
ومن هنا نالت تلك السياسات إعجاب ورضاء المواطن الصينى العادى تجاه الحزب والدولة، فبحسب تقرير نشره “مركز آش (ASH) للحوكمة الديمقراطية والإبداع” فى “جامعة هارفارد” فى شهر يوليو ٢٠٢٠، تحت عنوان: “فهم ثبات الحزب الشيوعى الصينى” (Understanding CCP Resilience)، والذى أعده ثلاثة باحثين أمريكان بعد إجراءهم (ثمانية إستفتاءات) أُجريت على أكثر من عشرة آلاف مواطن صينى فى مدن الصين وأريافها بين عامى ٢٠٠٣ و ٢٠١٦، بلغت نسبة رضا الشعب الصينى عن أداء الحكومة المركزية إلى ٩٣.١ % عام ٢٠١٦ (مقابل ٨٦.١ % عام ٢٠٠٣)، وعن أداء الحكومات المحلية على مستوى المقاطعات إلى ٨١.٧ % عام ٢٠١٦ (مقابل ٧٥.٠% عام ٢٠٠٣). وفى إعتقادى الشخصى، فإن تحليل هذه الأرقام سيكون مفيداً لمن يريد تقييم الوضع الراهن فى الصين والتنبؤ بمستقبلها.
 
 
– ثالثاً: التناقض بين نظريات الهيمنة الأمريكية والنظريات المطروحة من “مركز الدراسات الصينية لفكر شى جين بينغ” تجاه الشرق الأوسط والداخل الصينى
 
 
قام مركز الدراسات الصينية لفكر الرئيس (شى جين بينغ) على (تصحيح مفاهيم الهيمنة الأمريكية والنظريات المطروحة من الغرب تجاه السياسات الصينية فى الداخل ونظرتهم للحزب الشيوعى الحاكم).
 
فلمن لا يفهم آلية عمل الحزب الشيوعى الصينى، فإن له معايير مختلفة تماماً فى الحكم والإدارة تختلف إختلافاً جذرياً عن المفاهيم السلطوية والمحسوبية فى التعيين وإتخاذ القرار، حيث يلتزم الحزب الشيوعى الصينى بمعيار صارم للنجاح هو (شرط وحيد للإنجاز والترقى داخل الحزب). والحزب الشيوعى الصينى اليوم ليس هو حزب الثورة وحزب الفقراء والكادحين، بل هو (مجمع النخبة)، وتتطلب شروط عضوية الحزب الشيوعى الحاكم الآن عمل إمتحان للجدارة، والتدرج الوظيفى فيه يبنى على الإمتحان كمعيار لإختبار الولاء والقدرة على المنافسة والفهم لطبيعة المجتمع والنظام السياسى وآليات صنع القرار الصينى فى الداخل والخارج، فهنا نجد أن الحزب الشيوعى الصينى هو (شكل معاصر وحقيقى للمؤسسة الإدارية القيادية الصينية الناجحة) بعكس المفاهيم المغلوطة التى يروج لها الغرب عنه.
 
ومع تطبيق (مفهوم التنمية العلمية)، الذى طرحه الحزب الشيوعى الصينى، تتجسد نظرية “الدبلوماسية من أجل الشعب ووضع الإنسان الصينى فى المقام الأول”، وهو ما إتضح فى إتباع أسلوب (الصرامة الحزبية فى التعامل مع المواطن الصينى بعد إنتشار جائحة كورونا من أجل سلامته والحفاظ على الدولة الصينية والشعب)، فى الوقت الذى فشلت فيه أعتى الديمقراطيات فى العالم فى السيطرة على الوباء، نتيجة لعدم قدرتها على إتباع قواعد صارمة تفرض على مواطنيها.
 
 
وكان أكثر ما لفت إنتباه الباحثة المصرية – بصفتها خبيرة فى شؤون السياسة الصينية داخلياً وخارجياً – هو الجهد الكبير لمركز الدراسات الصينية لفكر الرئيس الصينى (شى جين بينغ) بالتعاون مع (مجلة الحزب الشيوعى الصينى الرسمية، والمعروفة صينياً، بإسم “تشيوشى”، والتى تعنى “البحث عن الحقيقة”، حيث يتعاون مركز دراسات فكر الرئيس الرفيق (شى) مع مجلة الحزب الشيوعى الرسمية، فى التخطيط لعدد من الآليات والبرامج، من أبرزها:
 
١) الدمج بين الإبتكارات الحزبية فى النظرية الدبلوماسية الصينية والممارسة فى ظل ظروف جديدة، ولاسيما بعد إنتشار جائحة كورونا (كوفيد-١٩)
 
٢) التعاون سوياً، خاصةً منذ الإختتام الناجح للمؤتمر الوطنى الـ ١٨ للحزب الشيوعى الصينى عام ٢٠١٣، ونهاية الدورات السنوية لنواب الشعب الصينى، واللجنة الوطنية للمؤتمر الإستشارى السياسى للشعب الصينى
 
٣) بدءاً من عام ٢٠١٤، ركزت (اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى) بقيادة السكرتير العام حينئذ، الرفيق (شى جين بينغ)، وفى ضوء الظروف الجديدة والمهام الجديدة، تم وضع (جدول الأعمال الإستراتيجى للصين على المدى الطويل)
 
٤) سعى مركز الدراسات الصينية لفكر الرئيس الصينى الرفيق (شى جين بينغ) إلى العمل مع قيادات اللجنة المركزية للحزب الشيوعى، بهدف تهيئة (بيئة التنمية العالمية المتماشية مع المبادرة الصينية العالمية للحزام والطريق، وإتجاهات التطور فى الداخل الصينى والخارج)
 
أما عن تأثير (سياسات الهيمنة الأمريكية تجاه الصين فى علاقتها بدول الشرق الأوسط)، وبالأخص عبر (المبادرة الصينية للحزام والطريق)، توصلت التحليلات الخاصة بالمركز الفكرى لدراسات فكر الرئيس “شى”، بأن المعضلة الأساسية التى ستواجه الإدارة الجديدة فى واشنطن بقيادة “جو بايدن” فى الشرق الأوسط وإسرائيل نفسها، تكمن فى:
 
“إختلاف رؤية أغلب دول المنطقة وإسرائيل للصين – بما فيهم النخب القيادية الأكاديمية والسياسية – عن الرؤية الأمريكية ذاتها، وعدم قدرة دول الشرق الأوسط والخليج فى العموم على تحمل ضغوط إستراتيجية من واشنطن، حيث ينظر قادة الشرق الأوسط ومراكز صنع القرار بها، بأن ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية عليهم بشأن تخفيف التعامل مع الصين، هى ضغوط مدعومة أساساً بتفاعلات السياسة الداخلية فى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. فهذه الدول العربية، وكافة بلدان الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل بصفتها الشريك الإستراتيجى الأقرب لواشنطن فى الشرق الأوسط، تشترك جميعها مع الصين سياسياً وإقتصادياً وتنموياً وجغرافياً وتاريخياً بمصير مشترك واحد، نظراً لكثافة حجم الإستثمارات الصينية والمشاريع التنموية للصين بها. وفوق ذلك، لا تنظر أغلب بلدان الشرق الأوسط إلى العلاقات الأمريكية – الصينية بإعتبارها “معادلة بين طرفين متناقضين “رابح وخاسر” لأمريكا فى الشرق الأوسط، وفقاً لعلاقاتها بعداً أو قرباً بالصين” كما يتم النظر إليها فى واشنطن”.
 
ومن ثم ووفقاً لهذا الطرح التحليلى الصينى، سيكون على الولايات المتحدة إبتكار صياغات جديدة فى تعاملها مع دول المنطقة، بعيداً عن اللعب عن نقطة العلاقات بعداً أو قرباً مع بكين.
 
 
– الخلاصة (إستشراف مستقبلى للباحثة المصرية لنتائج إفتتاح مركز دراسات فكر الرئيس الصينى “شى جين بينغ” نظرياً وتطبيقياً)
 
 
وأخيراً، فإن إفتتاح مركز الدراسات الصينية لفكر الرئيس الصينى (شى جين بينغ)، إنما يمثل فرصة سانحة لفهم “الدبلوماسية الصينية فى العصر الجديد”، وفهم مرحلة التقييم الأساسية التى تميز أداءها اليوم وفى المستقبل، خاصةً أمام حالة التنافس الأمريكى ضد الصين.
 
إن إفتتاح مركز الدراسات لفكر الرئيس الصينى شى، يعد من وجهة نظرى إعداداً عملياً دقيقاً وحيوياً للتعرف على طبيعة الدبلوماسية الصينية على مستوى النظرية والتطبيق، فضلاً عن أنه يمثل إضافة حقيقية صينية عالمية لجمهور واسع من القراء المهتمين بالشأن الدبلوماسى الصينى، من الباحثين والأكاديميين والمهنيين والدبلوماسيين والسياسيين المهتمين بالدبلوماسية الصينية، كعلم نظرى أو كمهنة وممارسة تطبيقية عملية أيضاً، وباحثى وخبراء العلاقات الدولية، والعلوم السياسية، فى مجالاتها العامة والخاصة.
 
حيث يعالج هذا المركز الدبلوماسية الصينية بشكل أكثر شمولًا وإحاطة بقضايا وإشكاليات الدبلوماسية الصينية فى عهد الرفيق (شى جين بينغ)، مقارنةً بغيره من مراكز الفكر والدراسات فى الصين نفسها وحول العالم كله، وتناولهم بشكل عابر لدور الحزب الشيوعى فى التاريخ الدبلوماسى للصين منذ بداية حكم الرفيق “شى”.
 
كما أن هذا المركز الفكرى والبحثى لفكر الرئيس الصينى الرفيق (شى جين بينغ) يمثل مرجعاً مهماً لكثير من تفاصيل  الدبلوماسية الصينية، ووصف دقيق لكل مناحيها النظرية والتطبيقية، وصار بإمكانه الآن أن يملأ ويضيق الفجوة فى الدراسات الصينية من خلال تسليط الضوء على الرؤى المختلفة للحزب الشيوعى الصينى حول الإستراتيجيات العالمية والتخطيط الدبلوماسى للصين، والمساهمة فى (بناء نظرية جديدة للعلاقات الدولية ذات خصائص صينية بحتة فى عالم ما بعد كورونا)، فهذا هو الشغل الشاغل لباحثى وخبراء المركز فى الوقت الحالى.
 
مع ملاحظة الباحثة المصرية، بأن باحثى وخبراء ومسئولى المركز قد حددوا بدقة الآن حجم التغيرات والتحديات التى تواجه الصين فى المشهد الدولى الآن ومحاولة التعبئة الأمريكية والحشد الأمريكى لعدد من قوى الغرب وأوروبا ضد هذا الصعود السلمى للصين، الأمر الذى بات معه محللو وباحثو (مركز فكر الرئيس “شى”، وبتوجيهات مباشرة من قيادات الحزب الشيوعى الصينى)، يحاولون الآن عمل (دراسات مستقبلية متقدمة) تشمل كافة المجالات لإغتنامها دعماً للإتجاهات الأساسية للتنمية، ومنها:
 
أ) التركيز على الإستراتيجية الصينية على المدى الطويل فى عالم (ما بعد كورونا).
 
ب) دراسة وتحليل كيفية وآلية الحفاظ على إستمرارية وإتساق السياسات الخارجية الرئيسية للصين، وعمل (توازن بين الإعتبارات المحلية والداخلية لسياسة الصين مع تلك المعايير الدولية).
 
ج) كما يعكف الآن خبراء مركز فكر الرئيس “شى” على دراسة آليات (تعزيز الإبتكارات والإبداع) وفق فكر الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ”، ودمجها فى النظرية والممارسة الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية.
 

ويأتى التطبيق الصينى هنا دولياً لتلك السياسات عبر (مبادرة الصين العالمية للحزام والطريق)، بتعزيز (البنى التحتية الرقمية) ودفع الصين شركائها خاصةً من الشعوب الأفريقية والنامية نحو مجالات متقدمة من الإبتكار والإبداع والتحول الرقمى رغم حدة المنافسة مع واشنطن والتحديات الأخرى التى تواجه بكين فى عالم ما بعد كورونا (كوفيد-١٩).